يجتاحنا القرآنيون
عبدالرحمن آبي
تعتبر سياسة "فرقْ تسُد" "divide et impera" إحدى أهم السياسات التي انتهجها الغرب لتشتيت وتفكيك وَحدة المسلمين، وقد عمِل عليها منذ بداية استعماره للبلاد الإسلامية، من خلال دعمه للطوائف المارقة الهادمة للإسلام، فعمِلت بريطانيا إبان استعمارها للهند على دعم فرقة حديثة النشأة لَمَّا تبرُز بعدُ جذورها الأولى آنذاك، وهي فرقة "القرآنيون" التي حذَّر منها - قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنًا - نبيُّنا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في حديث المقدام بن معدي كرب الذي عند أبي داوُد وغيره: (ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجلٌ شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتُم فيه من حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه).
ففي القرن التاسع عشر ظهر في الهند رجلان اشتهرا بإنكار السنة هما: سيد أحمد خان، وغلام أحمد القادياني، وسَرعان ما تسربت آراؤهم إلى قلوب الناس، فتبنَّاها البعض مثل: محب الحق آبادي وعبد اجكرَلاوي، إلا أن الأول اقتصر على القرآن دون الطعن في السنة، ومثل برويز الذي لقي احتفاءً وتمكينًا من طرف السلطة آنذاك، لتنتشر هذه الفرقة فيما بعد حتى ظهرت في بعض الدول العربية ومن أهم أفكارها:
إنكار عذاب القبر، إنكار أسباب النزول، إنكار نزول عيسى عليه السلام، إنكار الشفاعة (شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم)، إنكار عصمة الأنبياء.
صحيح أن الظاهرة الإنسانية بطبيعتها متعددة الأسباب، إلا أن أغلب الباحثين يكادون يجمعون على أن البريد والبوابة الأولى للإلحاد، هي إنكار السنة والشواهد على ذلك كثيرة، والناظر يدرك أن الملحد قبل إعلان إلحاده يمر بمراحل: الطعن في التراث، الطعن في ناقلي الحديث (البخاري، مسلم....)، الطعن في المكثرين من رواية الحديث من الصحابة (أبو هريرة مثلًا)، ثم تأتي مرحلة الاقتصار على القرآن دون السنة وجحد - ضمنيًّا - بعض الآيات التي تتحدث عن منزلة السنة:
﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [الحشر: 7]، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء: 65].
﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وغيرها من الآيات التي تدل على حجية السنة، ثم مع الوقت ينكر القرآن وينسلخ من الدين، وهذا طبيعي لأن الدافع الأول لإنكاره للسنة مخالفتها لهواه، فالهوى رأس ماله والدين من حيث هو يتناقض مع الهوى فيصبح الدين متهمًا يحاكم إلى سلطة الهوى البهيمية، ويصبح إنكار السنة الطريقة الأنجع والأسهل للمروق من الدين والدخول في عتمات الإلحاد.
ولم يعد المجتمع الموريتاني المحافظ الذي عُرف بالعلم ونشره بمعزلٍ عن هذا الفكر السام، ففي السنوات الأخيرة بدأ ينشط على وسائل التواصل الاجتماعي شبابٌ تأثروا به، فتبنوه وأصبحوا يدافعون عنه بزعم غربلة وتنقيح التراث، ممن تأثر بمصطلحات براقة دفعت بكثيرٍ من الشباب المسلم نحو مزالق الإلحاد والزندقة، وإنكار المعلوم من الدين ضرورة كمصطلح:
القراءة المعاصرة للقرآن وغيرها من الشعارات الرنانة التي ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب.